لطالما اعتبر العالم أن آينشتاين ونيتشه وفرويد من أكثر المفكرين تأثيرًا في التاريخ، لكن القليلين يعرفون أن هناك فيلسوفًا واحدًا أثر عليهم جميعًا، وشكّل أفكارهم بطرق لم يتوقعها أحد. إنه آرثر شوبنهاور، الفيلسوف الألماني الذي حمل لقب "فيلسوف التشاؤم"، والذي لا تزال أفكاره تُلهم الملايين حتى اليوم.
فما هي قصة هذا الفيلسوف المنسي؟ وكيف أثرت أفكاره على أعظم العقول في التاريخ؟ وما هي تحذيراته التي ما زالت تنبض بالحياة في مجتمعنا الحديث؟
1. من هو آرثر شوبنهاور؟
ولد آرثر شوبنهاور عام 1788 في ألمانيا لعائلة ثرية، لكنه رفض حياة الرفاهية واتجه إلى الفلسفة، متأثرًا بأفكار إيمانويل كانط والفلسفة الشرقية، خصوصًا البوذية والهندوسية. كان يرى أن العالم تحكمه إرادة عمياء لا عقلانية، وأن الإنسان يعيش في معاناة مستمرة بسبب رغباته التي لا تنتهي.
في عام 1818، نشر كتابه الشهير "العالم إرادة وتمثل" (The World as Will and Representation)، لكنه لم يلقَ اهتمامًا كبيرًا في البداية، إلى أن أعاد الفلاسفة والمفكرون اكتشافه لاحقًا وأصبح أحد أكثر الكتب تأثيرًا في التاريخ الحديث.
2. كيف أثّر شوبنهاور على آينشتاين ونيتشه وفرويد؟

"قراءة شوبنهاور أعطتني الراحة وسط فوضى الحياة."


3. تحذيرات شوبنهاور للمجتمع الحديث

يؤكد شوبنهاور أن كل معاناة البشر تأتي من رغباتهم التي لا تنتهي أبدًا، فما إن يحقق الإنسان هدفًا حتى يسعى إلى غيره، مما يجعله في دوامة لا نهائية من الإحباط. وهذا ما نراه اليوم في عصر الاستهلاك والسوشيال ميديا، حيث يشعر الناس بعدم الرضا مهما حصلوا على المزيد.

يعتقد شوبنهاور أن السعادة ليست سوى غياب المعاناة، أي أننا لا نشعر بالسعادة الحقيقية إلا عندما تتوقف معاناتنا مؤقتًا. وهذا ما نشهده اليوم، حيث يبحث الناس عن السعادة في المال، الشهرة، أو النجاح، لكنهم لا يصلون إليها أبدًا بالشكل الذي يتوقعونه.

كلما كان الإنسان أكثر وعيًا وذكاءً، كلما أصبح أكثر تعاسة. فالأشخاص الأذكياء يدركون حقيقة عبثية العالم أكثر من غيرهم، مما يجعلهم عرضة للاكتئاب والقلق الوجودي. وهذا يفسر لماذا يشعر العديد من المفكرين والفنانين بالمعاناة الداخلية.
4. لماذا شوبنهاور لا يزال مهمًا اليوم؟
رغم مرور أكثر من قرن ونصف على وفاته، لا تزال أفكار شوبنهاور تحاكي واقعنا اليوم بشكل مذهل. في عالمنا الحديث، حيث تزداد الماديات، الضغوط النفسية، وعدم الرضا، تبدو فلسفة شوبنهاور كمرآة تعكس الحقيقة القاسية لحياتنا.
لكن هل كان شوبنهاور متشائمًا تمامًا؟ ليس بالضرورة. فهو يرى أن الفن، الموسيقى، والتأمل هي وسائل لتخفيف المعاناة، وأن التعاطف هو أعظم ما يمكن للإنسان أن يسعى إليه.

هل تعتقد أن شوبنهاور كان محقًا في رؤيته للحياة؟ وهل يمكن للبشر الهروب من هذه الدوامة التي وصفها؟