في فلسفة ابن سينا، يحتل "العقل الفعّال" مكانة مركزية، ليس كوظيفة ذهنية فقط، بل ككيان كوني يُشرف على ترتيب العالم ويمنح الإنسان القدرة على المعرفة.
ابن سينا، الذي تأثر بأفلاطون وأرسطو، طوّر نظرية معرفية ميتافيزيقية تُقسم عقول الوجود إلى مراتب، تبدأ بالعقل الهيولاني (المادة العقلية الخام)، وتترقى حتى تصل إلى "العقل الفعّال"، وهو أعلى مرتبة للعقل المتصل بعالم المجرّدات.
العقل الفعّال، في فكره، هو مصدر الصور والمعاني التي تنزل على النفس الإنسانية، وهو الذي يُفيض المعرفة على العقول البشرية عندما تستعد لاستقبالها. أي أن المعرفة، في جوهرها، ليست فقط من التجربة الحسية بل من إشراق عقلي خارجي.
يقول ابن سينا في أحد نصوصه:«النفس إذا تهيأت تهيُّؤاً تاماً، أفاض عليها العقل الفعّال الصور العقلية...»
بهذا، تصبح النفس وكأنها مرآة تعكس في لحظة صفاء نوراً عقلياً أزلياً.
هذا المفهوم ليس فقط فلسفيًا، بل يحمل أبعادًا روحية؛ إذ يجعل من المعرفة نوعاً من التجلي الإلهي، ويحوّل فعل التفكّر إلى ممارسة وجودية سامية.